Post Top Ad
الأربعاء، 25 مارس 2015
نفحات كريمة من سيرة الرسول الكريم ''ص''
نسب النبي صلى الله عليه وسلم :
لنسب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة
أجزاء جزء اتفق على صحته أهل السير والأنساب وهو إلى عدنان، وجزء اختلفوا فيه ما
بين متوقف فيه وقائل به، وهو ما فوق عدنان إلى إبراهيم عليه السلام، وجزء لا نشك
أن فيه أموراً غير صحيحة، وهو ما فوق إبراهيم إلى آدم عليهما السلام، وقد أسلفنا
الإشارة إلى بعض هذا. وهاك تفصيل تلك الأجزاء الثلاثة
الجزء الأول:
محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب - واسمه شيبة - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد
مناف - واسمه المغيرة - بن قصي - واسمه زيد - بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن
غالب بن فهر - وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة - بن مالك ابن النضر - واسمه
قيس - بن كنانة بن خزيمة بن مدركة - واسمه عامر - بن إلياس بن مضر ابن نزار بن معد
بن عدنان.
الجزء الثاني:
ما فوق عدنان، وعدنان هو ابن أد بن هميسع بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبي
غمام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن
عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يحلن بن أرعوي بن عيض
بن ديشان بن عيصر بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزي بن عوضة
بن عرام بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
الجزء الثالث:
ما فوق إبراهيم عليه السلام، وهو ابن تارح - واسمه آزر - بن ناحور بن ساروع - أو
ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح - عليه السلام -
بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ - يقال هو إدريس عليه السلام - ابن يرد بن مهلائيل بن
قينان بن آنوشة بن شيث بن آدم عليهما السلام.
الأسرة النبوية:
تعرف أسرته صلى الله عليه وسلم بالأسرة
الهاشمية - نسبة إلى جده بن عبد مناف - وإذن فلنذكر شيئاً من أحوال هاشم ومن بعده.
المــولــد:
ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من
حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنو شروان، ويوافق ذلك العشرين أو
اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571م .
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد
المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة، ودعا اللَّه وشكر له، واختار
له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفاً في العرب - وختنه يوم سابعه كما كان
العرب يفعلون.
وأول من أرضعته من المراضع - بعد أمه
صلى الله عليه وسلم - ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح، وكانت قد
أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي
وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن
يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعاداً لهم عن أمراض الحواضر؛ لتقوى أجسامهم، وتشتد
أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم الرضعاء، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر - وهي حليمة بنت أبي
ذؤيب - وزوجها الحارث بن عبد العزى المكنى بأبي كبشة، من نفس القبيلة.ورأت حليمة
من بركته صلى الله عليه وسلم ما قضت منه العجب، ولنتركها تروي ذلك مفصلاً
هكذا
بقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بني سعد، حتى إذا كانت السنة الرابعة أو
الخامسة من مولده وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس: "أن رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه،
فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من
ذهب بماء زمزم،ثم لأمه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني
ظئره - فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من
عمره صلى الله عليه وسلم توفى جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة
حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.
ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل
وجه، وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة
يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ من ذلك في
مواضعها.
حياة الكدح:
ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عمل معين
في أول شبابه إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنماً، رعاهافي بني سعد، وفي مكة
لأهلها على قراريط وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة
رضي اللَّه عنها، قال ابن إسحاق كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال،
تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوماً تجاراً
فلما بلغها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته
وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً وتعطيه
أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم
الشام.
زواجه من خديجة:
ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها
من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله
عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت
ضالتها المنشودة - وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبى عليهم ذلك -
فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه
وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة،
وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد
رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة. وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت
يومئذ أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً، وهي أول امرأة تزوجها رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى
إبراهيم، ولدت له أولاً القاسم - وبه كان يكنى - ثم زينب ورقية، وأم كلثوم وفاطمة وعبد
اللَّه، وكان عبد اللَّه يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم، أما
البنات فكلهن أدر كن الإسلام فأسلمن وهاجرن، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى
الله عليه وسلم سوى فاطمة رضي اللَّه عنها فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.
السيرة الإجمالية قبل النبوة:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع
في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرازاً رفيعاً من الفكر الصائب،
والنظر السديد، ونال حظاً وافراً من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة
والهدف، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناء الحق،
وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فعاف
ما سواها من خرافة، ونأى عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجد
حسناً شارك فيه، وإلا عاد إلى عزلته العتيدة فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح
على النصب، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً، بل كان من أول نشأته نافراً من
هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع
الحلف باللات والعزى.
ولا شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما
تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير
المحمودة تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها، روى ابن الأثير قال رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين،
كل ذلك يحول اللَّه بيني وبينه ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته، قلت ليلة للغلام
الذي يرعي معي الغنم بأعلى مكة لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر
الشباب فقال: أفعل فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفاً، فقلت ما هذا
فقالوا: عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب اللَّه على أذني فنمت، فما أيقظني إلا
حر الشمس. فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة
فأصابني مثل أول ليلة، ثم ما هممت بسوء.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في
قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً،
وأعزهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وألينهم عريكة، وأعفهم نفساً،
وأكرمهم خيراً، وأبرهم عملاً، وأوفاهم عهداً، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه
"الأمي" لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية، وكان كما قالت
أم المؤمنين خديجة رضي اللَّه عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف ويعين
على نوائب الحق.
في ظلال النبوة والرسالة
ولما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم
الأربعين، وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه
الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور على مبعدة نحو
ميلين من مكة - وهو غار لطيف طوله أربع أذرع، وعرضة ذراع وثلاثة أرباع ذراع من
ذراع الحديد ومعه أهله قريباً منه، فيقيم فيه شهر رمضان، يطعم من جاءه من
المساكين، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وفيما وراءها
من قدرة مبدعة وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة، وتصوراتها
الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج محدد، ولا طريق قاصد يطمئن إليه
ويرضاه.
وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه
العزلة طرفاً من تدبير اللَّه له وليعده لما ينتظره من الأمر العظيم. ولا بد لأي
روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى... لا بد لهذه
الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض وضجة الحياة، وهموم الناس
الصغيرة التي تشغل الحياة.
وهكذا دبر اللَّه لمحمد صلى الله عليه
وسلم وهو يعده لحمل الأمانة الكبرى، وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ... دبر
له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، ينطلق في هذه العزلة شهراً من
الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين
موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن اللَّه.
جبريل ينزل بالوحي:
ولما تكامل له أربعون سنة - وهي رأس
الكمال، وقيل: ولها تبعث الرسل - بدأت آثار النبوة تتلوح وتتلمع له من وراء آفاق
الحياة، وتلك الآثار هي الرؤيا، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت
على ذلك ستة أشهر - ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين
جزءاً من النبوة - فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى الله عليه وسلم
بحراء شاء اللَّه أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه
جبريل بآيات من القرآن.
وبعد النظر والتأمل في القرائن والدلائل
يمكن لنا أن نحدد ذلك اليوم بأنه كان يوم الاثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان
ليلاً، ويوافق 10 أغسطس سنة 610م، وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك بالضبط
أربعين سنة قمرية، وستة أشهر، و 12 يوماً، وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر و12
يوماً.
ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي اللَّه
تعالى عنها تروي لنا قصة هذه الوقعة التي كانت شعلة من نور اللاهوت أخذت تفتح
دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت عائشة
رضي اللَّه عنها:
أول ما بدىء به رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم من الوحي هي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل
فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد -
الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود
لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ فقلت ما أنا
بقارىء، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت ما أنا
بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}
[العلق: 1-3]. فرجع بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة
بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة ما لي
وأخبرها الخبر، لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة كلا، واللَّه ما يخزيك اللَّه
أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب
الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة
وكان امرءاً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل
بالعبرانية ما شاء اللَّه أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي - فقالت له خديجة يا
ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزله اللَّه على
موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك فقال رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي،
وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي.
وروى الطبري وابن هشام ما يفيد أنه خرج
من غار حراء بعد ما فوجيء بالوحي ثم رجع وأتم جواره، وبعد ذلك رجع إلى مكة، ورواية
الطبري تلقي ضوءاً على سبب خروجه وهذا نصها:
"قال رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم بعد ذكر مجيء الوحي ولم يكن من خلق اللَّه أبغض علي من شاعر أو مجنون كنت لا
أطيق ان انظر إليهما قال: قلت إن الابعد يعني نفسه شاعر أو مجنون إلا تحدث بها عني
قريش أبداً لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها، فلأستريحن قال:
فخرجت أريد ذلك، حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول يا محمد أنت
رسول اللَّه، وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا جبريل في صورة رجل صاف
قدميه في أفق السماء يقول يا محمد أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، قال: فوقفت أنظر
إليه، وشغلني ذلك عما أردت، فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق
السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي،
ولا أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا
واقف في مقامي، ثم انصرف عني وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى
فخذها مضيفاً إليها (ملتصقاً بها مائلاً إليها) فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟
فواللَّه لقد بعثت في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إلي، ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت:
أبشر يا ابن عم، واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة،
ثم قامت فانطلقت إلى ورقة وأخبرته. فقال: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لقد جاءه
الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت، فرجعت
خديجة وأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف
إلى مكة لقيه ورقة وقال بعد ان سمع فيه خبره والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة،
ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى".
أدوار الدعوة ومراحلها:
يمكن أن نقسم عهد الدعوة المحمدية - على
صاحبها الصلاة والسلام والتحية - إلى دورين يمتاز أحدهما عن الآخر تمام الامتياز
وهما
الدور
المكي، ثلاث عشرة سنة تقريباً.
الدور
المدني، عشر سنوات كاملة.
ثم يشتمل كل من الدورين على مراحل لكل
منها خصائص تمتاز بها عن غيرها، ويظهر ذلك جلياً بعد النظر الدقيق في الظروف التي
مرت بها الدعوة خلال الدورين.
ويمكن تقسيم الدور المكي إلى ثلاث
مراحل:
مرحلة
الدعوة السرية، ثلاث سنين.
مرحلة
إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى أواخر السنة
العاشرة.
مرحلة
الدعوة خارج مكة، وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة إلى هجرته صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة.
وكان من الطبيعي أن يعرض الرسول صلى
الله عليه وسلم الإسلام أولاً على ألصق الناس به وآل بيته، وأصدقائه، فدعاهم إلى
الإسلام، ودعا إليه كل من توسم فيه خيراً ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الحق
والخير ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء - الذين لم تخالجهم ريبة قط
في عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجلالة نفسه وصدق خبره - جمع عرفوا في التاريخ
الإسلامي بالسابقين الأولين، وفي مقدمتهم زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم
المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد ابن ثابت بن شرحبيل الكلبي، وابن عمه علي بن
أبي طالب - وكان صبياً يعيش في كفالة الرسول - وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم
هؤلاء في أول يوم من أيام الدعوة.
ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام،
وكان رجلاً مألفاً محبباً سهلاً، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه،
لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه،
فأسلم بدعائه عثمان بن عفان الأموي، والزبير بن العوام الأسدي، وعبد الرحمن بن
عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، وطلحة بن عبيد اللَّه التيمي، فكان هؤلاء النفر
الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام.
ومن أوائل المسلمين بلال بن رباح
الحبشي، ثم تلاهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر
وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم ابن أبي الأرقم المخزوميان، وعثمان بن مظعون
وأخواه قدامة وعبد اللَّه، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد
العدوي، وامرأته فاطمة بنت الخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت وعبد
اللَّه بن مسعود الهذلي وخلق سواهم، وأولئك هم السابقون الأولون، وهم من جميع بطون
قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً، وفي ذكر بعضهم في السابقين الأولين
نظر.
الاضطهادات:
أعمل المشركون الأساليب التي ذكرناها
شيئاً فشيئاً لكف الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على
ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب، لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد
والتعذيب، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لا تجدي لهم نفعاً في كف الدعوة
الإسلامية اجتمعوا مرة أخرى وكونوا منهم لجنة أعضاؤها خمسة وعشرون رجلاً من سادات
قريش، رئيسها أبو لهب عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . وبعد التشاور والتفكر
اتخذت هذه اللجنة قراراً حاسماً ضد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وضد أصحابه.
فقررت أن لا تألو جهداً في محاربة الإسلام، وإيذاء رسوله، وتعذيب الداخلين فيه،
والتعرض لهم بألوان من النكال والإيلام.
اتخذوا هذا القرار وصمموا على تنفيذه.
أما بالنسبة إلى المسلمين - ولا سيما المستضعفين منهم - فكان ذلك سهلاً جداً. وأما
بالنسبة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإنه كان رجلاً شهماً وقوراً ذا شخصية
فذة تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء بحيث لا يقابل مثلها إلا بالإجلال والتشريف،
ولا يجترىء على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أرذال الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك
كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين كان معظماً في أصله،
معظماً بين الناس، فما يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته، إن هذا الوضع أقلق
قريشاً وأقامهم وأقعدهم، ولكن إلام هذا الصبر الطويل أمام دعوة تتشوف إلى القضاء
على زعامتهم الدينية، وصدارتهم الدنيوية.
وبدأوا الاعتداءات ضد النبي صلى الله
عليه وسلم ، وعلى رأسهم أبو لهب، فقد اتخذ موقفه هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم منذ اليوم الأول قبل أن تهم قريش بذلك. وقد أسلفنا ما فعل بالنبي صلى الله
عليه وسلم في مجلس بني هاشم، وما فعل على الصفا، وقد ورد في بعض الروايات أنه -
حينما كان على الصفا - أخذ حجراً ليضرب به النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي
صلى الله عليه وسلم نزل إليه جبريل بوحي ربه تبارك وتعالى، فأخبره بمؤامرة قريش،
وأن اللَّه قد أذن له في الخروج وحدد له وقت الهجرة قائلاً لا تبت هذه الليلة على
فراشك الذي كنت تبيت عليه.
وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في
الهاجرة إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه ليبرم معه مراحل الهجرة، قالت عائشة رضي
اللَّه عنها بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متقنعاً، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو
بكر فداء له أبي وأمي، واللَّه ما جاء في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر اخرج من
عندك. فقال أبو بكر إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول اللَّه. قال: فإني قد أذن لي
في الخروج، فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول اللَّه؟ قال رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم نعم.
وبعد إبرام خطة الهجرة رجع رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم إلى بيته ينتظر مجيء الليل.
من الدار إلى الغار:
غادر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622م. وأتى
إلى دار رفيقه - وأمن الناس عليه في صحبته وماله - أبي بكر رضي اللَّه عنه. ثم
غادرا منزل الأخير من باب خلفي، ليخرجا من مكة على عجل، وقبل أن يطلع الفجر.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم
أن قريشاً ستجدّ في طلبه، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق
المدينة الرئيسي المتجه شمالاً، فقد سلك الطريق الذي يضاده تماماً، وهو الطريق
الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى
جبل يعرف بجبل ثور، وهذا جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذا أحجار كثيرة،
فحفيت قدما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وقيل: بل كان يمشي في الطريق على
أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه، وأيا ما كان فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى
الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار في قمة الجبل عرف في التاريخ بغار ثور.
وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة - ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ،
يعبر عنها بالمدينة مختصراً - وكان يوماً تاريخيّاً أغر، فقد كانت البيوت والسكك
ترتج بأصوات التحميد والتقديس، وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات فرحاً
وسروراً:
أشرق البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
والأنصار إن لم يكونوا أصحاب ثروات
طائلة إلا أن كل واحد منهم كان يتمنى أن ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم عنده.
فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته هلّم إلى العدد والعدة
والسلاح والمنعة، فكان يقول لهم خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فلم تزل سائرة به حتى
وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً،
ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول، فنزل عنها، وذلك في بني النجار - أخواله -
صلى الله عليه وسلم . وكان من توفيق اللَّه لها، فإنه أحب أن ينزل على أخواله
يكرمهم بذلك، فجعل الناس يكلمون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النزول عليهم،
بادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله، فأدخله ببيته، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم يقول المرء مع رحله، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته، وكانت عنده
Tags
قضايا عامة#
Share This
About alidara-tarbawia.blogspot.com
??? ??? ??? ?????? ?? ??? ????? ????? ??? ??????? ????? ?????? ????? ?????ً،??? ???? ???? ?????? ?? ???? ??? ?????? ???? ????? ?? ?? ???? ?? ????? ?? ???????? ???? ????? ??? ??????? ????? ???? ?? ????، ??? ???? ???? ?? ??? ?????? ??? ?? ????? ??? ????? ??? ???? ????? ?? ?????، ??? ????، ??? ????، ?? ??? ??? ?????. ???? ????? ???ً ?????ً ??????ً.
قضايا عامة
اقسام :
قضايا عامة