رجالات مراكش السبعة (الأولياء السبعة)
التاريخ،
الأدوار، والتراث الروحي
د. أحمد الوازي
تُعَدُّ مدينة مراكش، الحمراء العتيقة، واحدة من
أبرز المدن المغربية التي تجمع بين التاريخ العريق والروحانية العميقة، ومن أبرز
رموزها الروحية "رجالات مراكش السبعة" أو "الأولياء السبعة"
(السَّبْعَة رِجَال) كما يحلو للمراكشيين قوله، و الذين ـ في نظرهم ـ يُعتبرون حماة المدينة ورموزاً للتقوى والصلاح
في الثقافة الشعبية المغربية. هؤلاء الأولياء ليسوا مجرد شخصيات دينية، بل هم جزء
من نسيج الهوية المراكشية، حيث ارتبطت أسماؤهم بأساطير محلية وممارسات صوفية
واجتماعية. إليك تفصيلاً شاملاً عنهم:
1 ـ أصل فكرة
"الأولياء السبعة":
تعود فكرة تخصيص سبعة أولياء كحماة للمدينة إلى
القرن الـ17 الميلادي، تحديداً في عهد السلطان العلوي " المولى إسماعيل"
(1672–1727م)، الذي أراد تعزيز الوحدة الروحية للمغرب عبر الربط بين المدن الكبرى
وأولياءها الصالحين. اختيرت مراكش ليكون لها سبعة أولياء، كرمز للبركة والحماية،
في تقليد مشابه لمدن مثل فاس (سبعة رجال فاس) ومكناس.
2 ـ قائمة رجالات مراكش السبعة:
# سيدي يوسف بن علي
الصنهاجي (ت. 1196م):
هو يوسف بن علي الصنهاجي المعروف عند اهل مراكش ب (مول الغار) ، ولد ونشأ في مدينة في مراكش، وتعلم على يد شيوخها و الذي نجد من ضمنهم الشيخ أبو عصفور، الذي كان تلميذا للشيخ أبي يعزى، على الرغم من أن يوسف بن علي لم يشارك بنشاط في الحركة العلمية في المغرب، إلا أنه كان يعتبر من الشخصيات الصوفية المعروفة،. أصيب أيام شبابه بمرض الجذام، فتخلت عنه أسرته خوفا من العدوى، مما اضطره للرحيل عنهم والعيش في كهف مجاور للمدينة بقية حياته، وهذا ما جلب تعجب الناس به وبقدرته على البقاء وحيدا الى حين وفاته، حيث دفن يوسف بن علي في غار خارج باب أغمات سنة 593 هجريا (1196 ميلاديا).
# سيدي القاضي عياض (1083–1149م):
هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض السبتي
اليحصبي ولد عياض من أسرة عرفت بالعلم والزهد في سبتة بتاريخ 476
هجرية الموافق 1083م)، وبها نشأ
وتعلم، وتتلمذ على شيوخها. جلس للمناظرة وله نحو ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله
خمس وثلاثون، حتى وصل إلى قضاء سبتة ثم غرناطة، فذاع صيته وحمد الناس سيرته.
قتل القاضي عياض في مراكش ودفن بها سنة 544 هـ. ودفن في حي هيلانة مع مولاي علي الشريف في نفس المكان. ويرجع سبب قتله إلى رفضه الاعتراف بابن تومرت الذي ادعى أنه هو الإمام المهدي المنتظر.
# سيدي أبي العباس السبتي
(1129–1204م):
هو ابو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي، ولد بحاضرة
سبتة بالمغرب الأقصى سنة 524هـ، وأخذ العلم والتصوّف عن أستاذه أبي عبد الله
الفخار دفين محروسة تطوان وأحد تلامذة القاضي عياض. لا يخلو من ذكره كتاب عن التصوّف
في بلاد المغرب، وهو أشهر رجالات مراكش السبعة على الإطلاق
توفي الإمام أبو العباس السبتي سنة601 هـ، ودفن بزاويته التي تعتبر اليوم مزارا كبيرا بمراكش ويرى بعض المؤرخين أن أبا العباس السبتي دفن بقبر الفيلسوف ابن رشد الحفيد بعد أن تم نقل جثمانه و دفنه بموطنه الأصلي قرطبة بالأندلس، وبقي القبرُ على حاله حتى وري فيه جثمان أبي العباس السبتي.
# سيدي
عبد الله الغزواني (ت. 1528م):
هو الشيخ أبو عبد الله محمد
الغزواني المراكشي الشاذلي، أحد رجال أهل التصريف، ومن أصحاب الكرامات .
توفي الشيخ الغزواني سنة 935 هجرية (1591 ميلادية)، حيث من المرجح أنه مات بسكتة قلبية، بينما كان في طريقه عائدا إلى مراكش، حيث لاحظ مرافقوه أنه قد مال على فرسه، فلما اقتربوا منه وجدوه ميتا، وقد دفن بزاويته بحي القصور.
# سيدي
محمد بن سليمان الجزولي (ت. 1465م):
هو أبو عبد الله محمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجزولي السملالي المكنى شعبيا باسم «مول الدليل» لأنه صاحب دلائل الخيرات. كانت ولادته حوالي (807 هـ / 1404 م) بمنطقة مغربية معروفة ببلاد
جزولة من أقاليم سوس، وبعد أن نال حظا وافرا من
التعليم في جزولة، أرسله أهله إلى فاس لينهل العلم على يد علمائها الكبار.
توفى مسموما سنة سبعين وثمانمائة 870 هج الموافق ل 1465 م ودفن بأفوغال بالشياظمة، ثم بعد ذلك نقل جثمانه من قبره إلى مراكش بعد عشرين سنة بهدف الحصول على البركة. وكان هذا النقل بعد اثنين وستين سنة من وفاته ، وهو ضريحه الحالي الذي يلتقي فيه اتباع الطريقة الجزولية.
# الامام السهيلي ( ت 581 هج ):
هو الإمام عبد الرحمن بن عبد الله
بن أحمد السُّهيلي، الملقب بأبي القاسم ، نسبته إلى سُهَيٍل وهو وادي بالأندلس من
مالقة . ولد سنة 508 هج الموافق 1114م ، وترعرع بمالقة في أسرة مشهورة بالعلم، حيث حفظ القرآن
وتعلم مبادئ العربية على يد والده، وأخذ باقى العلوم على يد مجموعة من كبار الفقهاء
والعلماء من مالقة وغيرها من الحواضر الأندلسية الشهيرة . وتكاد تتفق جميع المصادر
على أن بصره قد كف وهو بن سبع عشرة سنة وذلك لمرض مزمن ألم به كما جاء في الكتب.
كانت وفاته سنة 581ه الموافق:1185م بمراكش ، ودفن بروضة باب الشريعة الذي يسمى الآن بباب الرب، و يعد الوحيد الذي ينسب إلى الأندلس من السبعة رجال.
# سيدي عبد العزيز التباع (ت 914 هج) :
هو السيد أبو فارس عبد العزيز بن
عبد الحق التباع (نسبة الى تبع رسول الله) الحرار المراكشي المكنى ب( مول الطابع) ،
خامس رجال مراكش يوم الزيارة السبت. درس
وتعلم بمراكش على يد رجالاتها ، كما أنه صحب الشيخ الشهير محمد بن سليمان الجزولي مؤسس الطريقة
الجزولية .
توفي سيدي عبد العزيز التباع سنة
914 هج 1508م بمراكش، و يقع ضريحه بين منطقة المواسين ومنطقة أمصفح ، وقد أضحى
الحي يسمى باسم الضريح (حومة سيدي عبد العزيز) تيمنا به .
3 ـ الأدوار الاجتماعية
والروحية للأولياء السبعة:
أ. الحماية الروحية:
- وفق المعتقد الشعبي، فإن
هؤلاء الأولياء السبعة لعبوا أدورا حمائية للمدينة بفضل الكرامات التي يتمتعون
بها، وبفضل البركة التي خصهم الله بها ، وبفضل هذه البركة تمت حماية مدينة مراكش
من الكوارث والشرور، بل وأصبح البعض يقيم لهم طقوسا عند أضرحتهم طلبا للاستسقاء أوالاستشفاء.
ب. التجمع الصوفي :
- ارتبطت أضرحتهم أيضا
بالعديد من الزوايا وبتجمعات الطرق الصوفية (كالطريقة القادرية والدرقاوية وغيرهما
) ، والجدير بالذكر أن هذه الزوايا والطرق لعبت دوراً في نشر الإسلام بالمدينة وبكل
تراب المغرب.
ج. التمازج الثقافي :
- يمثل الأولياء تنوعاً
عرقياً (أمازيغ، عرب، أندلسيون) وجغرافياً، مما يعكس الانصهار الثقافي الذي ميّز
مراكش وجعلها حاضرة المغرب لعد قرون.
4 ـ الأضرحة والمواسم الدينية :
- الزوايا والأضرحة : حيث تحولت أضرحة الأولياء
إلى "زوايا" (مراكز دينية)، تُقام فيها حلقات الذكر وتُوزع فيها
الصدقات. أشهرها:
- زاوية
سيدي أبي العباس السبتي : مركز للإطعام اليومي للفقراء وتقديم العون لهم.
- زاوية
سيدي بن سليمان الجزولي: تُحيى فيها ذكرى
"دلائل الخيرات".
- المواسم (المهرجانات):
ارتبط البعض منها باحياء المواسم الدينية خاصة في عاشوراء حيث تقام طقوس دينية
داخل بعض المزارات تكون خاصة بتلاوة الأذكار أو والمدائح النبوية. .
- يعتقد بعض الزوار أن لتراب هذه الأضرحة أو ماء
( زمزم ) الموجود بها قوة شفائية، فيُعمدون الى التمسح بالتراب أو يشربون الماء
على غرار ما يقوم به باقي المسلمين عند زيارتهم للحرم المكي.
5 ـ التسلسل في الزيارة :
زيارة رجالات مراكش السبعة (الأولياء السبعة) هي
ممارسة دينية وثقافية متجذرة في التصوف المغربي، وتُعتبر جزءاً من التراث الروحي
لمدينة مراكش. تُمارس هذه الزيارة وفق طقوس محددة تجمع بين التعاليم الإسلامية
والتقاليد المحلية، مع احترام الأبعاد الروحية والاجتماعية. إليك الطريقة التي يُفضل
بعض الزوار اتباعها وهي ترتيب جغرافي أو رمزي لزيارة الأضرحة السبعة، مثل:
1. سيدي
يوسف بن علي ,
2. سيدي
القاضي عياض
3. سيدي
أبي العباس السبتي .
4. سيدي
محمد بن سليمان الجزولي .
5. سيدي
عبد العزيز التباع
6. سيدي
عبد الله الغزواني .
7. الامام
السهيلي .
5 ـ الجدل حول مفهوم "زيارة الأولياء" في
الإسلام :
- وجهة النظر الشرعية :
اختلف
الناس والفقهاء حول زيارة الأولياء والتبرك بأضرحتهم، حيث ذهب البعض الى جواز
زيارتهم والتبرك بهم، في حين ذهب صنف آخر الى اعتبار الأمر بدعة، بل وحرم مثل هذه
الزيارات.
ـ الرأي الفقهي :
فقد ذهب بعض الفقهاء الى القول بأن التبرك
بالأولياء وزيارة أضرحتهم قد يُؤدي إلى الغلو، وأن هذا الأمر يخالف بذلك مفهوم
التوحيد ولذلك اعتبر الأمر كله يعد حراما يجب تركه.
- الرأي الصوفي :
بينما يُؤكد الصوفية أن الأولياء هم
"أقطاب" روحيون، وزيارتهم تُعزز الاتصال بالله عبر قدوة الصالحين، وأن
هذا الأمر لا يخالف أي شيء في التوحيد كما يرى البعض.
6 ـ الأولياء السبعة في الأدب والفن :
- الشعر:
ساهمت ظاهرة أولياء مراكش السبعة في تنمية عدة
ظواهر ثقافية نجد من بينها نظم الشعر حيث
تفنن الشعراء المغاربة في نظم قصائد كثيرة
في مدح الأولياء، ويكفينا ذكر قصيدة "البردة" التي تُنسب للجزولي والذي
داع صيتها في العالم الاسلامي.
- الفن التشكيلي والسنمائي :
جعل بعض
الفنانين هذه الظاهرة مجالا خصبا لفنونهم، حيث صوّر الفنانون المغاربة أضرحة
الأولياء كرموز تاريخية تبرز جمالية مدينة مراكش وتوثق لتاريخها الفني الذي عرفته طيلة
حقبة تواجد هؤلاء الأولياء بين جدرانها، كما في أعمال محمد بناني.
ـ التاريخ :
أيضا جعل المؤرخون من أولياء مراكش مادة خصبة لهم
حيث ربطوا وجود العض منهم بالصراعات السياسية التي كانت تعرفها المدينة من حين
لآخر، ويكفينا شاهدا على ذلك المحنة التي تعرض لها الشيخ القاضي عياض والتي كانت
سببا في قتله.
7 ـ التحديات المعاصرة:
- السياحة الدينية :
لعل اكثر التحديات التي عرفها رجالات مراكش
السبعة هو حينما تحولت بعض الأضرحة إلى مواقع
سياحية، مما أثار مخاوف من "تسليع" القداسة ، هذا بالإضافة الى تحول بعض
الاضرحة الأخرى الى أماكن لممارسة الشعوذة والرذيلة تحت غطاء البركة وقضاء
الحاجات.
- الصراع بين التصوف
والسلفية:
أيضا تحولت
ظاهرة زيارة رجالات مراكش الى حلبة صراع بين كل من السلفية والمتصوفة، فقد عملت
السلفية على انتقاد كل ما يتعلق بظاهرة الطقوس الصوفية المرتبطة بالأولياء، مما
أدى إلى توترات في بعض المناسبات.
8 ـ الخاتمة: الأولياء السبعة كجسر بين الماضي والحاضر:
رجالات مراكش السبعة ليسوا مجرد رموز دينية، بل
هم ذاكرة حية للمدينة، تجسِّد قِيَم التضامن والتسامح الروحي. رغم التحديات، تبقى
أضرحتهم شواهد على قدرة التراث الصوفي على الصمود في وجه التحولات، واستمرارها
كمراكز للثقافة والاجتماع الإنساني.