بقلم ذ.أحمد
الوازي
استاذ باحث
حفل المطبخ المغربي منذ القدم بأكلات
عديدة تميزت بشهرتها واقترن ذكرها باسمه ،ولعل من بين اهم هذه الأكلات التي
عرفت إقبالا عليها من طرف الزوار والسائحين الوافدين من مختلف البقاع اكلة الكسكس
التي ظلت ولا زالت الأكلة المفضلة لدى المغاربة وذلك لعدة أسباب من بينها آنها
تحتوي على كل ما يتوفر عليه المطبخ المغربي من توابل وخضر وغيرها مما يجعلها أكلة
غنية بالفيتامينات، بالإضافة إلى ذلك تبقى هذه الأكلة وسيلة لمعرفة مدى مهارة
المرأة المغربية في مجال الطبخ و تذوق طعم الاكل المتميز، حيث كان يعمد أهل الرجل
المقبل على الزواج الى اختبار الفتاة المطلوبة للزواج بأن يطلبوا منها صنع أكلة
الكسكس لمعرفة مدى براعتها في هذا المجال.
وليست أكلة الكسكس وحدها التي عرفت
هذه الشهرة، بل نافسها في ذلك أكلات أخرى ميزت المطبخ المغربي وجعلته متفردا
عالميا بها كأكلة (التريد) الذي استفردت به القرى المغربية قبل أن تزاحمها فيه
المدن أيضا، وأكلة ( الطاجين) التي تتميز بكونها أكلة يتم طبخها على نار هادئة
غالبا ما تكون نار فحم. وتبقى أكلة (الطنجية) التي ارتبطت كليا بمدينة مراكش
المغربية من أهم الأكلات المميزة في تاريخ المطبخ المغربي وفي تاريخ هذه المدينة
العريقة.
فما هي هذه الاكلة الغريبة والعجيبة ؟
وما الشئ الذي جعل منها أكلة منفردة عن غيرها من الاكلات المغربية والعالمية ؟
الطنجية اكلة مراكشية عريقة بامتياز،
و كما يشير الى ذلك الاسم فقد استمدت تسميتها من الاناء الفخاري (الطاجين) الذي
كان ولا يزال الإناء الرئيسي في البيت المغربي قبل ان تزاحمه في هذه الوظيفة
الأواني الحديدية الحديثة حيث كانت تتم فيه طبخ الأكلات اليومية لأهل البيت .
والطنجية هي الأخرى عبارة عن إناء من
الفخار، يشبه في شكله قدرا مقعرا مستديرا، تعلوه فتحة دائرية تعتبر
بوابة إدخال وإخراج المواد المهيأة للطبخ . أما طريقة تحضيرها فتبقى عملية بسيطة
جدا حيث لا تستغرق عملية التحضير وقتا طويلا ، اضافة الى خلوها من التوابل
والبهارات إلا القليل منها ،
أما طريقة طهيها فانها تخالف تماما
طريقة الطهي العادي حيث يتم أخذها الى فرن الحي ، ويتكلف الشخص المسؤول (الفرنطشي)
بعملية الطهي حيث يقوم بطهيها على دفء رماد النار الذي يخلفه الفرن، لذلك يبقى دور
هذا الأخير مهما في طهي الطنجية لما له من خبرة وتجربة في عملية الطهي والتي تختلف
من طنجية لاخرى حسب ما تحتويه من أنواع اللحم مما يجعله يختار المكان الملائم
للطهي والوقت المناسب لذلك.
ويبقى أهم ما يميز الطنجية المراكشية
عن الطاجين المغربي أن هذا الأخير يبقى من اختصاص النساء في حين تبقى الطنجية اكلة
رجالية بامتياز. ذلك ان الروايات التاريخية تشير إلى أن الصناع التقليديين
المراكشيين (صناع الحرف التقليدية) قديما كانوا يخصصون يوم الجمعة كيوم عطلة
للاستراحة من عناء العمل الاسبوعي. وخلال هذا اليوم كانوا يخرجون الى التنزه في
احضان الطبيعة ، ويقومون بتكليف احدهم بتحضير الطنجية التي لا تحلو جلسة
النزهة والسمر(التقشاب) أوجلسات الذكر والاستماع الا بها.
كما ان تحضيرها بهذه الطريقة غير
المألوفة من طرف الرجل وخاصة ايام العطل الاسبوعية أو الاعياد الدينية أو الوطنية
كان يعفي المرأة من عملها اليومي في المطبخ ويتيح لها الفرصة لزيارة أهلها
واقاربها.
وككل الاكلات والاطعمة، فقد تعددت
انواع مذاقات الطنجية حسب أصناف الاطعمة التي تحتويها، وحسب الفئة الاجتماعية التي
كان يوجه اليها محتواها.
كما تعددت انواع الطنجية حسب مذاقها ولون الطعام الذي تحمله،
فمنها ما يسمى ب (المحمرة) نسبة الى كونها تحتوي قدرا من الفلفل الاحمر، ومنها
(المعسلة) والتي يكون مذاقها حلوا ، و(المسقفة) التي يتم تحضير اللحم فيها على
طريقة الشواء، وتبقى (العادية) من اكثر الانواع انتشارا لسهولة طهيها وتميزها
بالمذاق الممتاز الذي يسيل لعاب كل من تذوقها وألف لذة طعمها .
وعموما تبقى الطنجية المراكشية ثراثا ذوقيا مميزا في مجال الطبخ
المغربي، وارثا حضاريا وتاريخيا تتجاوز محيطها الزماني والمكاني ليصبح ذكرها
مرتبطا بعراقة هذه المدينة وجمالها الأخاذ الذي يثير في كل زائر لمدينة مراكش
الرغبة في إعادة زيارتها وتذوق أطباقها والاستحمام بطبيعتها الخلابة.
ذ احمد الوازي
استاذ باحث